*التجـمــعات الحضرية في سورية:
1-مفهوم التحضر(Urbanization):
أ- تعريف التحضر: *تطلق على تلك العملية من النمو الحضري السريع التي يمكن مشاهدتها في مظهرها الكمي البحت، وبغض النظر عما إذا كانت هذه العملية تنبثق من عناصر النمو السكاني الطبيعي أو الهجرة الداخلية. والتحضر بصفة عامة شرط أساسي في عملية التحديث ويرتبط بالتحول من النظم الاقتصادية الريفية إلى النظم الاقتصادية الصناعية وكذلك بالانتقال من البيئة التقليدية إلى البيئة العصرية.
*وهو عملية من عمليات التغير الاجتماعي، تتم عن طريق انتقال أهل الريف أو البادية إلى المدينة، وإقامتهم بمجتمعها المحلي، أي إعادة توزيع سكان الريف على المدن.
ويحدد د.محمد كيلاني مفهوم التحضر من خلال النقاط التالية:
1- حجم السكان في رقعة معينة، هو المؤشر الناجح للتمييز بين المجتمعات الريفية والحضرية، لذلك يعرف التحضر، بأنه تركز للسكان والأنشطة غير الزراعية في بيئة حضرية بأحجام وأشكال مختلفة.
2- التحضر هو مستوى العلوم والفنون، ودرجة التقدم التكنولوجي وأشكال التصنيع السائد.
3- هو الأنماط والروابط الاجتماعية، وأشكال التفاعلات الإنسانية والبيئية مع بعضهم البعض.
4- التحضر يعني: التمييز بين نمط الحياة البسيطة والمعقدة، أي انه انتشار القيم، والسلوك، والتنظيمات الحضرية في مجال جغرافي معين، وإضافة إلى ما سبق يعرف التحضر بأنه: عملية تركز سكاني يتم بوسيلتين:
* زيادة عدد أماكن التجمعات السكانية. *أو نمو حجم التجمعات السكانية.
*مفهوم التجمع السكاني: هو تلك المجموعة البشرية المستقرة ضمن إطار عمراني معين على قطعة محددة من الأرض بحيث لا يفصل فيها بين الأفراد أو الجماعات منطقة انقطاع بشري أو عمراني،وتختلف هذه التجمعات من منطقة إلى أخرى،ومن أسباب الاختلاف: العوامل الجغرافية،الاقتصادية،الاجتماعية و الديموغرافية التي سبق ذكرها في الفقرات السابقة.
ب-مستوى التحضر(Level of Urbanization): هو عبارة عن النسبة المئوية للسكان المقيمين في المدن من جملة سكان الدولة وعند نقطة معينة زمنيا.والتحضر بمعناه الديموغرافي: هو عملية التزايد في نسبة السكان المقيمين في المناطق الحضرية من جملة سكان الدولة، ‘أما التحضر بمعناه الشامل: بالإضافة إلى التعريف السابق هو حالة ملازمة للنمو الاقتصادي والتغير الاجتماعي.
ج- مفهوم النمو الحضري: من الخطأ الشائع اعتبار أن التحضر هو مجرد نمو المدن City Growth،حيث يمكن أن تنمو المدن دون أن ينتج ذلك أي ارتفاع في درجة التحضر،ويحدث ذلك عندما ينمو عدد سكان الريف بمعدل مساو أو أكبر من معدل نمو سكان الحضر في فترة ما. أما النمو الحضري بمعناه الديموغرافي: فيعبر عنه النمو السكاني للقطاع الحضري دون الأخذ بعين الاعتبار النمو السكاني للقطاع الريفي،أو النمو العام للسكان، أما النمو الحضري بمعناه العمراني: فيعني التوسع أو الامتداد العمراني Physical Growth للقطاعات الحضرية بصفة عامة والمدن بصفة خاصة. "ويمكن القول : إذا تساوى أو قل معدل نمو سكان الحضر عن معدل النمو الإجمالي لسكان الدولة،فإن هذه الدولة تعرف نموا ًحضريا بالمعنى الديموغرافي،أما إذا ارتفع نمو السكان الحضر عن المعدل الإجمالي لسكان الدولة فإن الدولة تشهد ارتفاعا في معدلات تحضرها". ويرتبط مفهوم النمو الحضري ارتباطا وثيقا بالتصنيع في البلاد الصناعية.إذ تتسم المدينة بقيام الإنتاج على المنتجات الصناعية .ويزداد النمو الحضري بازدياد المصانع والمنتجات الأدبية والفنية والأعمال الإدارية.
انعكاس مظاهر التحضر على مدن القطر العربي السوري:
-الحدود الإدارية للمدينة: تقسم الجمهورية ل14 محافظة، والمحافظة لعدد من المناطق والمنطقة تضم مجموعة النواحي والناحية إلى عدد من القرى والقرية أصغر وحدة إدارية.وتكون الحدود والتقسيمات الإدارية وليدة ظروف مختلفة تاريخية سياسية وإدارية ونادرا ما كانت تعتمد الحدود الطبيعية ويراعى في هذه التقسيمات إيجاد وحدات تخطيطية متكاملة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
*مدينة دمشق(العاصمة الإدارية والسياسية):
شهدت مدينة دمشق أكبر عدد سكان في عام 1981م/1112000/نسمة وتعود هذه الزيادة لعدة عوامل،أهمها: المركز السياسي للمدينة كعاصمة للدولة وإضافة للموقع الاستراتيجي الذي تحتله كعقدة مواصلات ومركز هام للصناعة.وبينما تشهد نموا كبيرا في الحجم السكاني في الفترة الأولى ،نراها تشهد انخفاضا نسبياً في معدل النمو السكاني في الفترة الثانية ويعود السبب في ذلك إلى أنها وصلت إلى حد الإشباع السكاني الناجم عن هجرة أبناء بقية المحافظات إليها فلم تعد خدماتها ومرافقها قادرة على استيعاب هذا العدد الضخم من السكان مما أدى إلى ظهور أزمات كبيرة في مجال السكن والكهرباء والمواصلات والماء،الأمر الذي نجم عنه اتجاه عدد كبير من الناس في مراكز المدينة القريبة من دمشق ونلاحظ نمو كبير جدا للمجتمعات المحيطة بالمدينة،أما التجمعات البعيدة عنها فلم تشهد زيادة في حجومها باستثناء التجمعات الواقعة على طريق دمشق- حمص.ومن خلال استقراء التغيير في التجمعات السكانية ،والوقوف على العوامل المسببة له في جميع المحافظات السورية،نلاحظ التفاوت الكبير في النمو السكاني بين محافظة وأخرى فمن محافظات طاردة للسكان إلى محافظات معتدلة النمو السكاني وأخرى شديدة الجذب السكاني الأمر الذي يؤدي إلى التساؤل عن مدى صحة التقسيمات الإدارية المحددة لكل محافظة ومدى توزيع مشروعات التنمية الاقتصادية على هذه المحافظات فيلاحظ مثلاً في تجمعات عام 1961م-1981م انخفاض عدد كبير جدا للتجمعات السكانية الصغيرة الحجم والتي تتراوح بين(50-200)نسمة،وتكون الزيادة واضحة في التجمعات ذات الحجم (200-1000)نسمة وتتدرج الزيادة بشكل أقل نسبياً(1000-5000)نسمة بينما تقل بعد الحجم 5000نسمة.
1- النمو الحضري: دراسة النمو الحضري في سورية تعني دراسة عملية تحول المجتمع من مجتمع زراعي بسيط وقليل الاستخدام لوسائل العصر الحديث إلى مجتمع صناعي يتميز بالتعقيد ويعتمد على التقنية الحديثة في جوانب الحياة المختلفة.
ففي التاريخ السوري القديم: قامت في سورية مدن كثيرة مثل دمشق وحلب لكل منها تاريخ حافل
أما في الفترة الحديثة: فيمكن أن نميز بين ثلاث مراحل في النمو الحضري للقطر السوري:
*المرحلة الأولى: تمثل بداية النمو الحضري في عصرنا الحالي وتشمل النصف الثاني من القرن /19م/ وتنتهي مع بداية الحرب العالمية الأولى وفي هذه المرحلة يزيد معدل النمو السكاني على معدل النمو الحضري حيث لم يكن في سورية سوى مدينة دمشق التي يقدر عدد سكانها بحوالي150ألف نسمة
*المرحلة الثانية: تمثل الفترة الواقعة مابين الحربين العالميتين وفيها يزيد معدل النمو الحضري عن معدل النمو السكاني العام.وترتفع نسبة الحضر إلى 25%من السكان.وتتزامن هذه المرحلة مع نهاية الحكم العثماني وبداية الانتداب الفرنسي أ، ولذلكة الاحتكاك بالحضارة الأوروبية،ولذلك شهدت سورية نموا ملحوظا في المراكز الحضرية.بدأت بوادره في الحرب العالمية الأولى بسبب فقدان الأمن في الريف وهجرة أبناءه إلى المدن القريبة.
*المرحلة الثالثة: تبدأ مع بداية الحرب العالمية الثانية،وفيها يفوق معدل الحضر العام معدل السكان بشكل كبير،وترتفع نسبة الحضر إلى أكثر من خمس السكان،مما يجعل هذه الفترة تمثل مرحلة انفجارية،وعلى هذا الأساس أصبح من المنتظر أن نشهد فترة خصبة من الانفجار المدني في العقود القليلة اللاحقة.فقد تطور حجم السكان الحضر من 33%من مجموع السكان العام عام/1947م/إلى حوالي 37,5%عام/1960م/وارتفع هذا الحجم إلى 43,5%عام/1970م/ والى 47%عام/1981م/.
*مدينة حلب: سنأخذ محافظة حلب كنموذج ثاني عن التجمعات الحضرية في القطر، فبلغ عدد التجمعات السكانية عام/1960م/1300تجمع سكاني من أصل (6062)ونلاحظ الانخفاض في عدد التجمعات المتوسطة الحجم وزيادة عدد التجمعات الصغيرة في الحجم.وفي عام/1970م/ انخفاض عدد قليل جداً في التجمعات السكانية الصغيرة بينما يزداد بشكل ملحوظ عدد التجمعات التي يتراوح حجمها بين 500-1000نسمة.وفي عام/1981م/يقل عدد التجمعات الصغيرة بشكل سطحي ويزداد التجمعات متوسطة الحجم، ووصل عدد السكان في عام /1981م/حوالي 905400نسمة، ويعود سبب ذلك إلى ازدياد النشاط الاقتصادي للمدينة بسبب تركز الصناعة.
أسباب وعوامل نزوح الريف إلى الحضر:
إن الريف هو مركز الحرفة الأولى في القطر"الزراعة"ويشكل حوالي 22, 9%من الناتج القومي الصافي، أما المدينة فهي مركز الحرفة الثانية"الصناعة" ويشكل حوالي 31, 8%والحرفة الثالثة"الخدمات"ويشكل55, 3%من الناتج القومي الصافي.الأمر الذي شجع على ترك الزراعة وممارسة الصناعة أو الخدمات والتجارة.وبما أن المدينة هي مركز الحرفة الثانية والثالثة، فمن الطبيعي أن يتجه إليها العاملون في الزراعة "أهل الريف"مما يعتبر أحد أسباب الهجرة أضف إليه التخلف الثقافي في الريف والافتقار إلى الشروط الصحية والاجتماعية الملائمة.
*من عوامل الجذب المدني: 1- العامل الاقتصادي وعامل الخدمات.
2- ارتفاع مستوى المعيشة والأجور في المدينة، توافر فرص العمل الكثيرة.
3- الخدمات الثقافية التي لابد من تركيزها في مراكز إقليمية.
ويمكن اعتبار جميع مناطق الريف في قطرنا مناطق طاردة للسكان وبينما المناطق الحضرية مناطق جاذبة.
*الإستقطاب الحضري: استقطاب المدن الكبرى والتدرج المدني يلاحظ أن مدينة دمشق تتمتع بسيطرة واضحة على رقعة واسعة من الأراضي السورية-وتضم مجموعة كبيرة من المدن المختلفة الأحجام، فهي تستقطب حولها ضمن دائرة نصف قطرها 100كم /836/ألف نسمة عام 1970م بحسب الجدول رقم -4-ويرتفع العدد إلى /1632/ألف نسمة عام 2001م ،أما مدينة حلب فتستقطب حولها ما يزيد عن/3622/ألف نسمة عام 2001م بحسب الجدول رقم-6- وتتوسط هاتين المدينتين منطقة تدرج مديني منتظم مكوناً من حمص واللاذقية وحماة، ومن الملاحظ أن مدينة حمص آخذة في التطور السريع بسبب موقعها وقيام الكثير من الصناعات الهامة فيها كالسكر وتكرير النفط والأسمنت .
*مراحل نمو المدن:
1- مرحلة تجمعات ما قبل الزراعة:وهي تتميز بما يلي:
- قلة عدد السكان. –الانتشار السكاني استنادا إلى موارد الرزق.
هي تطبيق لنظرية مالتس: مستقرات صغيرة متساوية في الحجم.
2- مرحلة نمو تجمعات ماقبل الزراعة:
- زيادة نمو المدن. – بدء تحسن الحالة الاقتصادية.
وهي المرحلة التي بدأت تتميز بها بعض المدن
نتيجة انتشار الزراعة ونوع من التجارة التبادلية.
3- مرحلة التجمعات الزراعية: تتسم بما يليMarket Town:
- ارتفاع كبير في معدل نمو السكان.
- ارتفاع معدل نمو المدن عن معدل نمو السكان هامة.
- صعود واضح في معدل النمو الاقتصادي.
- بدء نمو مستقرات بشكل واضح، بسبب تحولها إلى
منطقة سوق تجاري لما حولها.
4- مرحلة المدينة الأولى/Primate City/:
- وصول نمو سكان المدن لأعلى مراحله.
- تسارع معدل النمو الاقتصادي بدخول
الصناعة وتوفر المواصلات الكثيرة (سكة الحديد، شبكات،
طرق)وتنشأ هنا مدينة كبيرة،وتنشأ حولها بعض المدن،وتدعي
المدينة الأولى المهيمنة على باقي المستقرات
البشرية مثل مكسيكو سيتي،القاهرة،بومباي.أي في كل دولة،
يوجد مدينة كبيرة جدا متميزة، تتركز فيها أنشطة كثيرة
بنوك ورؤوس أموال،ويصل حجمها إلى 20-30%من عدد
السكان، ويكون فيها كافة شبكات الطرق والمواصلات، وتتميز بتركز
سكاني شديد، وبوضوح التنظيم الاجتماعي والإداري واتساع الأسواق،
وتتسم بالتمييز الطبقي، ومعدل نمو مرتفع يكاد يكون ضعف معدل
نمو الدولة، مثل القاهرة معدل نموها 5% أما مصر2, 5%.
5- مرحلة المدينة الكبيرة Metropolitan:
تظهر مدن كثيرة مهمة ويتجمع السكان في المدن الجديدة المليونية،وتنخفض هيمنة المدن الأولى، وتظهر عدة مدن كبيرة تؤلف المدينة الأم، وهي ليست مدينة واحدة وإنما هي مجموعة مدن تكمل بعضها حيث يكون النشاط الاقتصادي متمما لبعضه، وتبدأ المدن بالتجمع مثل:القاهرة والجيزة وشبرا وهي أكبر المدن السابقة لها.وأكبر متروبوليس هي:طوكيو،نيويورك،مكسيكو سيتي.وتمتاز هذه المرحلة بكثافة عدد السكان بشكل فوق العادي،وتتوافر فيها المواصلات،وتهتم الحكومة فيها بتحقيق مطالب سكانها ،وتنفرد بميزات خاصة كالتجارة والصناعة،وقد تصل بعض هذه المدن إلى عاصمة منطقة أو دولة وتصبح المركز الرئيسي للحكومة،وتتركز فيها كل المظاهر والنشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، بحيث تصبح بحق"المدينة الأم".
6- مرحلة الميجالوبوليس Megalopolis:
- انخفاض كافة المعدلات. – انخفاض معدل النمو الاقتصادي.
- انخفاض معدل نمو السكان. – انخفاض معدل تركز السكان في المدن.
- التوزيع الجغرافي هو الميغالوبوليس: مثل/بوسطن،واشنطن،نيويورك/
والتي تتصل فيما بينها عمرانياً، وفي هذه المرحلة تبدأ المدن والمناطق
الحضرية حول المتروبوليس تزيد وتنمو وتتحول إلى عمران ضخم،ويكاد
أن يكون متصلا عمرانيا،ويتفوق في هذه المدن التنظيم الآلي والتخصص
وتقسيم العمل وتأخذ الفردية في الظهور،وتنتشر النظم البيروقراطية في
الإدارة وأجهزة الحكم.
7- مرحلة التحضر التام Nearly Total Urbanization:
معدل نمو الحضر أعلى من معدل النمو السكاني لاستمرار الاتجاه نحو التحضر.- ثبات معدل نمو السكان. – استمرار زيادة معدل نمو الحضر- تكاد أن تكون مراحل نمو الحضر مدنا صغيرة متجمعة بشكل تجمع حضري. - يكون معدل النمو ثابت ولكنه موجود، ويبدأ الناس بالعيش في مدن صغيرة.
- تتعدد الأنشطة ويكون لدينا مجموع من المدن الصغيرة والكبيرة والمزارع والمناطق الصناعية وبالتالي نسيج عمراني، وتكون المناطق الزراعية عبارة عن أجزاء أو نقاط صغيرة،وتتبنى المدينة الأم ،وتتحلل حول المدينة الأصلية،وتنشأ مناطق جديدة ملتحمة،ولا يوجد أي نموذج قديم،وإنما شريط جديد مترابط من النسج العمرانية،ومن الصعب تخيله لعدم وجوده حتى الآن .
8- مدن مرحلة ما قبل الصناعة:
يرى أمريز جونز أن مدينة ما قبل الصناعة لاتطلق على أنماط مدن أوروبا الغربية الحالية،وإنما تطلق على مدن أوروبا في العصور الوسطى وجميع المدن التي كانت قائمة عبر التاريخ ولا تتسم بالصناعة.واتسمت مدن ما قبل الصناعة بالخصائص التالية: 1- سيادة التكنولوجيا بعد أن كانت الصناعات اليدوية.
2- انعدام التخصص الوظيفي. 3- سيادة الفكر والأدب بين صفوة تتمتع بأوقات الفراغ.
4- صغر حجم المدينة، ويرجع صغر حجم المدينة إلى عدة عوامل منها ببساطة التكنولوجيا السائدة.
أما معدلات التحضر: فهي ترتفع داخل الدول الصناعية التي يعمل أغلب سكانها في مجالات العمل الصناعي والخدمات.ويؤكد ذلك أن نسبة سكان المدن في البلاد الغير المصنعة تقل عن تلك في البلاد المصنعة.
ونستنتج أن : نسبة سكان المدن مرتبطة بالتصنيع وتقل بقلته،تتأثر الظواهر الحضرية مباشرة بالتصنيع من حيث:نوعيته،ودرجته،ومجاله،ولا نعني بالقاعدة الصناعية هنا مجرد توافر صناعة ما،بحيث تؤثر على سكان ذلك المكان اقتصادياً واجتماعياً،وإنما نعني بتلك القاعدة الصناعية وجود نظام أو نسق System من الصناعات،يكون محوراً أساسياً لحركة السكان من هذه المنطقة،ويختلف عن الصناعات اليدوية التي كانت قائمة في البيوت،ومما لاشك فيه أن نمو الصناعة يؤدي إلى زيادة الحاجة للعمال،وزيادة حجم المدن،وشدة إقبال الناس عليها،ليس للغرض الاقتصادي فحسب ولكن لما فيها من حرية.ويؤكد هذا المعنى لويس ممفورد إذ اعتبر أن المدن تدين في وجودها إلى حد كبير للثورة الصناعية وما صاحبها من تقدم صناعي استتبع اثارا واضحة إنسانية ومادية عديدة تمثلت بوضوح في مدن بترسبورج وشيكاجو. ويرتبط التصنيع بالتحضر،
من حيث كونه سبباً أساسياً من أسباب عمران المدينة ونموها السريع مساحة وسكانا ووظيفة.فقد ظهرت مباني جديدة لم تكن معروفة من قبل كالمصانع وسكك الحديد.وأدى التصنيع إلى ظهور التباين الوظيفي،ليس فقط في المنشآت والمباني،وإنما في المناطق التي تنقسم إليها المدينة.ويؤدي التصنيع إلى رفع الكفاية المالية والإدارية للمناطق ذات الصناعات الحضرية،وتتغير الحياة الاجتماعية لتصبح ذات علاقات غير متينة قائمة في الأغلب على مبدأ المنفعة الذاتية ولذلك فهي غير مستديمة.
9- الــمدن الكبــيـرة: إن نمو المدن الكبيرة مهم جدا مثل عمليات التمدن العامة.وتضم هذه المدن الآن أكثر من خمس سكان العالم.ولكن ما هي المدينة الكبيرة؟فالتحديد البسيط للحجم يستخدم المستوى الأدنى ل100000ساكن.ولكن هل يمكن أن نعتبر أن في هذا العدد تحديدا لحجم التجمعات؟وهنا ممكن أن نسأل ما هو مصطلح التجمع؟فهذا المصطلح يعني "اندماج مدينتين لتشكيل وحدة واحدة"،أو "المدينة مع ضواحيها"،أما الكتاب الديموغرافي للأمم المتحدة فيحدد التجمع المدني بأنه"يشمل الحواف المدنية أو المقاطعات المسكونة بكثافة والتي تقع خارجاً ولكن مجاورة لحدود المدينة".
وغالباً ما يؤدي نمو التجمعات الكبيرة إلى تكوين مستوطنات مدنية كبيرة متصلة ومستقلة،تسمى عادة "المدن المتصلة Conurbations".ويمكن وصفه بأنه تجمع واتصال عدة مدن وأحيانا بتكونه من تجمع واحد كبير وتوابعه المدنية.أما المدن المليونية فإنها تتضاعف بسرعة، ففي بداية هذا القرن كان هناك إحدى عشر مدينة مليونية فقط في العالم، ولكن في أوائل الستينيات، ارتفع العدد إلى أكثر من 100مدينة منها ست مدن عربية مثل:"القاهرة والإسكندرية والدار البيضاء".
*وظائف المدن والقوى المؤثرة فيها: لما كانت المدن المليونية(المتروبولية)تؤدي سلسلة من الوظائف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية،فلا بد من التركيز على دورها التنموي، والمشكلة هنا صعوبة تحديد الوظائف وترتيب أولوياتها.وتبدو أنشطة المرتبة الثالثة(الخدمات)وهي تجارة التجزئة والجملة والتأمين والعقارات وإدارة الأعمال بمستوياتها المختلفة أهم وظائف المدن، إضافة لخدمات الصيانة والنقل والإصلاح والاتصال والبناء والتشييد والخدمات الشخصية مثل:الطب والصحة والتعليم والإدارة العامة.
*النظريات والقوانين الخاصة بالمدينة:
حاولت العديد من الدراسات إلقاء الضوء على العوامل المفسرة للتوزيع الحضري المكاني وتغيراته ،ويمكن دراسة هيمنة المدينة الكبرى على دولتها من خلال قوانين المدن التي سآتي على ذكر بعضها بشيء بسيط:
1- قاعدة المدينة الأولى: يقول القانون أنه داخل الإطار المساحي الواحد، تتفوق مدينة واحدة على المدن الأخرى بشكل لا يتناسب مع الترتيب التدريجي.ويرى أن المدينة المهيمنة هي عاصمة الدولة،وقد استخلص جيفرسون العلاقة بين توزيع ال، بناءرتب مركزيتها وعلى فرض أن حجم السكان معبر إلى حد ما عن مركزية المدينة،حيث تتفوق المدينة الأولى على المدينتين التاليتين بنسبة:100، 30، 10.ويوضح الجدول التالي نتائج تطبيق قانون المدينة الأولى على مراكز المحافظات السوري، بناءء على نتائج تعداد عام 1994م،وتقديراتهم لعام 2004م.
وحسب قانون مارك جيفرسون Mark Jefferson نستنتج أن المدينة الأولى في سورية أقل من مدينة جيفرسون النموذجية ،كذلك نلاحظ هيمنة الأولى على الثانية دون معيار القانون بمرة ونص،الأمر الذي يعني بوجود مدينتين مهيمنتين على باقي المدن السورية في القطر إضافة إلى وجود مدن متوسطة في طريقها أن تعد مدناً كبرى في المستقبل.ونجد أن المدينة المهيمنة هي ليست العاصمة السياسية دمشق كما ينص القانون، مما يشير إلى إمكانية وجود عاصمة أخرى وهي حلب، وبالتالي لا يوجد قاعدة للمدينة المهيمنة.
2- قاعدة الرتبة والحجم: يذكر بعض الباحثين أن هناك علاقة منتظمة بين المدينة الأولى والمدن الأخرى في الدولة الواحدة،وقد عرف ذلك بقاعدة"الرتبة والحجم"،وتنص القاعدة على أنه يمكن معرفة حجم مدينة ما إذا ما عرفنا رتبة تلك المدينة وحجم المدينة الأولى.
حجم المدينة المعينة = حجم المدينة الأولى /رتبة المدينة المعنية.
رتبة المدينة * حجم السكان فيها = حجم المدينة الأولى
وتنص القاعدة التي تفترض أن المدن في الدولة ذات ترتيب حجمي منتظم، فالمدينة الثانية تساوي نصف الأولى والثالثة تساوي ثلث الأولى في الحجم والثامنة ثمن الأولى في الحجم، وهكذا...
ويوضح الجدول التالي رقم(10) تطبيق مقارن بقاعدة الرتبة والحجم على مراكز المحافظات في الجمهورية العربية السورية بحسب نتائج تعداد عام 1994م وتقديراتهم لعام 2004م.
3- مقياس الأولوية:ينسب حجم المدينة الأولى إلى مجموع أحجام المدن الثلاث التالية، ومعيار المقارنة لهذه النسبة هو الواحد.
*النــتائــج:
1- إن المدينة هي ظاهرة اجتماعية بحتة وحالة من حالات تفاعل التجمعات البشرية مع بعضها.
2- تقسم المدن أحيانا تبعا للتصنيف الوظيفي المعتمد على القطاعات الأولية والثانوية والثالثة.فالمدن بنشاطات القطاع الأولى تتضمن مراكز التعدين والقطاع الثانوي، في مدن صناعية، والقطاع الثالث المدن التاريخية الغير متأثرة بالتصنيع والمراكز الإدارية والدينية والعسكرية.
3- نمو المدن يتم من خلال التفاعل البشري، والنقل والاتصالات هي أحدى وسائل هذا التفاعل، و هي أحد أسباب نمو المركز الحضري.
4- تعتمد المدن بالضرورة على التجارة وتطوير الأسواق العالمية وعلى جلب الفائض الزراعي ، فقد اعتمدت المدن الصغيرة على التجارة بين عدد من المدن الصغرى.أما المدن الكبرى فكانت تجارتها دولية ونمت المدن بنمو الأسواق العالمية وطرق التبادل ووسائل النقل.
5- لعب العامل الثقافي دوراً مهماً في ظهور المدن وتشكيلها، فقد نمت المدن بفضل التراكمات الثقافية التي عمل الإنسان على خلقها وبالتالي خلق هذه المدن.
6- أ صبحت فكرة أن المدينة لكي تزدهر فهي بحاجة إلى منطقة زراعية حولها أصبحت غير ضرورية إطلاقا في العصر الحديث فالمدن التي تقع في مناطق تبعد بعداً كبيرا عن العمران تتخصص في الصناعة وأصبح من الممكن استمرارها بل وازدياد كثافة السكان فيها عن طريق التجارة والنقل.
7- معدلات التحضر ترتفع في البلاد المصنعة أكثر منها في البلاد الغير مصنعة، ونستنتج من هذا أن نسبة سكان المدن ترتبط بالتصنيع وتقل بقلته.
8- تدخل المدينة بالتقسيم التالي: أ- تخطيط إقليمي.
ب- تخطيط مدن.
ج- تخطيط مواقع(عمراني).
د- تصميم عمراني.
هـ- تصميم معماري.
9- أكثر عاملين جذب للمدن ويساهمان في معدل النمو الحضري هما:
أ- العامل الإقتصادي. ب- عامل الخدمات.
10- إن أي عمران هو خلاصة تفاعل اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي وتتم معالجته
على هذا الأساس.ومن ناحية تنمية المدن يخف انتماء الأشخاص للمكان وتخف العلاقات الاجتماعية السائدة والتي تصبح غير وطيدة ومفككة بعكس القرى والأرياف التي يزيد فيها الانتماء للمكان.
11- أظهرت الدراسات وجود علاقة بين حجم المدينة وبين معدل كثافة السكان.
12- يختلف السكان المدنيين عن السكان الريفيين في التوزيع والكثافة وطريقة الحياة والتركيب والنمو وأحياناً ما تعتبر التمدن أو حضارة المدن بأنها طريقة للحياة .وهناك رأي متزايد بأن العالمين الريفي والمدني ليسا منفصلين وإنما هما يعكسان استمرارية لكلا الاتجاهين.
13- إن تركز الجزء الأكبر من السكان الحضر في المدن الكبيرة يعني أن هناك غياب للهرمية Hierarchy أو نظام المراكز الحضرية الذي يشاهد عموما في الدول المتقدمة.
14- النمو الحضري لم يأخذ طريقه بشكل متوازن مما أدى إلى تركز السكان الحضر في مدن قليلة العدد وظهور ظاهرة المدن المهيمنة الكبرى حلب ودمشق،وقد خلق هذا الوضع خلل في توازن الشبكة الحضرية وخلق صعوبات أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
15- إن تركز المشاريع الكبرى والاستثمارات في المدن الكبيرة أدى إلى نموه انموا غير متوازن.وبالتالي تعزى هذه الهيمنة الحضرية إلى نقص التكامل الاجتماعي والاقتصادي على المستوى الإقليمي والى غياب المشاريع الصناعية والإنتاجية في المناطق الريفية وهو ما حفز هذه الهجرات الداخلية نحو هذه المدن وزيادة نسبة النزوح من القطاع الريفي إلى القطاع الحضري.
*المــقتــرحــات:
1- يجب التخطيط على مستوى المدينة مع إقليمها ودراسة المحيط المؤثر فيها، وطريقة توجيه المدن الصغيرة المحيطة بها، وتخفيف العبء عن المدن الكبرى كنقاط الأولوية في تخطيط المدينة..
2- تنمية المناطق الريفية اجتماعياً وثقافياً وتعليمياً وصحياً وخدمياً،وتخفيف الضغط عن المدن الكبرى وذلك بتنمية المراكز الحضرية الجديدة والمدن الصغيرة والمتوسطة لاجتذاب سكان المدن الكبرى .
3- تطوير صلاحية البلديات بخصوص خطوط التنمية الحضرية .
4- اتخاذ القرارات الخاصة بمستقبل التحضر والنمو الحضري من قبل مؤسسات التخطيط والإدارة وان يكون هناك تنسيق متكامل عند وضع الخطط التي تتعلق بالتنمية وتطوير المدن.
5- يجب تبني سياسة حضرية شاملة للحد من النمو الحضري الغير متوازن، الأمر الذي يتطلب العمل تطوير وسائل فعالة للسيطرة على الاتجاهات الحالية للنمو الحضري.
6- اقتراح البعض بأن أعلى حجم للمدينة يجب أن يكون 50000 ساكن لسباب الصحة والسلامة العامة والتخطيط الطبيعي. ولكن هذه المعايير لا تشير إلى الحجم المثالي لتأدية الخدمات البلدية وحركة المرور والحياة الاجتماعية بكفاءة لذلك يجب دراسة اختلاف الحجوم فهو الجواب للظروف المثالية للمعايير المختلفة ،وعلى أية حال يبدو أننا سنعتاد على مواجهة مشاكل نمو أحجام المدن .
*الــمــلخــــص:
إن المدينة بصفتها نموذج لمجتمع حضري فهي ظاهرة قديمة يرجع تاريخها لما يقارب ال 7000سنة وهي تعتبر كذلك انعكاسا لتزايد التعقد الاجتماعي واستجابة لظروف اجتماعية وثقافية وجغرافية وقد انعكس هذا على أساسها الوظيفي الذي يختلف باختلاف المكان و الزمان.وتركز المجتمعات الحضرية ليس وليد العصر الحديث، بل يرجع لعهود سابقة عندما قامت المدن بوظائف متعددة لخدمة إقليمها المجاور ولكن ارتبط هذا المفهوم الحديث بالحجم السكاني فقط طالما أن المركز الذي يحوي المراكز التجارية والصناعية جاذب للفائض السكاني ومن هنا يحصل التضخم السكاني وتعدد الوظائف وتصبح المدينة العاصمة المهيمنة والتي تحظى بأكبر عدد من سكان الدولة والحضر معاً لتصبح في بعض الأحيان الدولة نفسها ونافذتها على العالم الخارجي.